القرار الإداري بين زاويتين
يكتسي القرار الإداري أهمية بالغة في دولة الحق والقانون، لأنه مصدر للعديد من الحقوق والالتزامات، فالقرار الإداري يشكل أقوي القرارات السيادية لما يمتلكه من قوة وإمكانات لتنفيذه خصوصا إذا كان هذا القرار يصدر من جهة تملك الاختصاص والشرعية في اتخاذ القرار. وتتنوع القرارات الإدارية بحسب مصادرها وموضوعها ومجالها وعموميتها. والقرارات الإدارية من ناحية الاختصاص تتعدد الجهات التي تصدر عنها فقد تصدر من جهات عليا مثل الرئاسة والوزارة أو المدير العام للأمن الوطني. وقد تصدر من جهات أخري إدارية ومصلحية حسب الاختصاص وقبل أن ندخل في تلك الحيثيات من الجدير أن نتحدث عن تعريف القرار الإداري.
المبحث الأول تعريف القرار الإداري: يعرف القرار الإداري من زاويتين أساسيتين حيث نبدأ بتعريفه من زاوية القانون الإداري ثم نتحدث عن تعريفه من زاوية الإدارة العامة.
المطلب الأول تعريفه من زاوية القانون الإداري:
يعرف القرار الإداري من زاوية القانون الإداري بأنه (إعلان الإدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضي القوانين واللوائح بقصد إنشاء أو تعديل أثر قانوني متي كان ذلك ممكنا وجائزا قانونا. وكان يهدف لتحقيق المصلحة العامة.)1
ومن خلال هذا التعريف تتجلي لنا أركان القرار الإداري الأساسية وهي:
أولا الشكل: يعتبر الشكل مسألة جوهرية في القرار الإداري وهو الصيغة التي يعلن بها القرار الإداري ليخرج كيانه للوجود كي يتم تطبيقه. وهذا الشكل يختلف من حيث الصيغة والمصدر فكل شكلية أو صيغة معينة قد تليق بجهة محددة، أو تخص مصدرا محددا في القانون كما أن هناك صيغ وأشكال قد تختلف أو تتشابه حسب سلطة الإصدار والاختصاص. التي يتحتم دائما أن يظهر اسمها ووظيفتها وتوقيعها وتاريخ ذلك القرار.
ثانيا الاختصاص: يعتبر الاختصاص مسألة جوهرية في القانون الإداري. وأي قرار يجب أن يكون من صاحب الاختصاص حتى لا يكون مشوبا بعيب عدم الاختصاص.
ثالثا السبب: يعتبر السبب عنصرا فاعلا وجوهريا في القرار الإداري. وهي حالة موضوعية خارجة عن رجل الإدارة تحدث فتملي معالجتها موقفا معينا أو تصرفا لمواجهة قضية ما مثل حالة اضطراب أمني نتيجة تظاهرات معينة، أو تحركات تعرقل الشارع العام وتهدد الأمن، فتملي مثل تلك الحالة الواقعية على رجل الإدارة أن يتخذ قرارا لحل تلك النازلة أو للحد من نتائجها على الأمن العام.
رابعا: المحل: يعتبر المحل هو موضوع القرار الإداري الذي قد يكون محله إنشاء أثر قانوني أو تعديله.
خامسا: الهدف أو الغاية: تعتبر الغاية التي ينبغي أن تكون مشروعة وأن تتوخي المصلحة العامة حتى لا يكون القرار الإداري مشوبا بالشطط في استعمال السلطة. أو استغلال النفوذ لأمور شخصية خارجة عن الصالح العام. الذي هو غاية القرار الإداري وطموحه وهو الذي يضمن له القوة والبقاء.
وعلي العموم يلاحظ أن القرار الإداري من هذه الزاوية مصدر شرعيته وقوته يكمن في مدي توفره على أركانه الخمس المذكورة حتى لا يكون عرضة للإلغاء. أو دعوي التعويض. وحتى يكون مسلحا بالشرعية الحقيقية. فالقرار الإداري من زاوية القانون الإداري يبحث مسألة الشرعية. أما من زاوية الإدارة العامة فهمه الأساسي مع الشرعية ينصب على الكفاءة والمردودية.
المطلب الثاني تعريف القرار من زاوية الإدارة العامة:
يعرف القرار الإداري من هذه الزاوية بأنه (اختيار في الحلول المطروحة بين البدائل المتاحة يراه المدير مناسبا لحل المشكل.)
والقرارات الإدارية من هذه الزاوية تنقسم إلى نوعين:
1 قرارات إدارية بسيطة. وهي التي لا تحتاج إلى الكثير من التأمل والتفكير لأن طابعها الروتيني يجعلها سهلة وعادية، وعادة ما يكون تأخيرها وبطؤها سببا من أسباب شلل الإدارة. وعدم قدرتها على الاستمرار في القيام بواجبها،
2 قرارات إدارية مركبة: وهي التي تحتاج من المدير أو الرئيس عند اتخاذها أن تمر بخمسة مراحل جوهرية كي تكون قرارات صائبة وهذه المراحل هي:
أولا: مرحلة تشخيص المشكل وتحديد أبعاده: إن مهمة تشخيص المشكل من طرف المختصين وتحديد أبعاده المختلفة هو الذي يعطي تصورا صحيحا لحل الأمور وعدم التشخيص الدقيق قد يسبب مشاكل أو مشكلة أخري تكون أكثر تداعيات من المشكل المطروح لو ترك دون حلول غير موفقة.
ثانيا: المرحلة الإحصائية: تعتبر هذه المرحلة أساسية وتتعلق بجمع البيانات والاحصاءات وكافة المعطيات المتعلقة بالموضوع. وهذه البيانات ينبغي أن تكون دقيقة والاحصاءات حديثة ومحينة كي تتماشي مع معالجة الواقع بكفاءة وجدارة.
ثالثا: مرحلة تحديد الحلول المتاحة وتقويمها
تعتبر هذه المرحلة غاية في الأهمية لكل مدير حسب نوع مؤسسته وميدان اختصاصها وإمكاناتها المادية والوقت المتاح لها وكذلك اتجاهات مدير هذه المؤسسة ومدى قدرته في تصنيف البدائل المتاحة وترتيبها حسب الأهمية كي يتمكن من الاختيار المناسب.
رابعا: مرحلة اختيار الحل المناسب: تتم هذه المرحلة بالمفاضلة بين الحلول المتاحة ومدي ملاءمتها وكفاءتها ومردوديتها على المؤسسة، ومن المهم هنا أن نذكر أن تجنب المشاكل الجديدة والخسارة يعتبر مكسبا مهما يجب الاهتمام به.
خامسا: مرحلة إصدار القرار ومتابعة تنفيذه: وهذه المرحلة يجب اختيار الوقت المناسب لها لأن عامل التوقيت يكتسي أهمية بالغة في صناعة القرار وقوة تأثيره ووقته المناسب كما أن إصدار القرار وحده لا يكفي. بل لا بد من متابعة تنفيذه لتفادي السلبيات التي قد تنجر عنه وإعطاء الوقت اللازم لتقييمه كي نعرف مدي جدوائيته في المجال المستهدف أو مجالات أخري قد تظهر وتكون أكثر أهمية.
والقرارات الإدارية كما أشرنا أعلاه قد تصدر من جهة عليا وفي هذه الحالة تشكل جزءا من القانون بمفهومه الواسع كالمراسيم والقرارات والمقررات والتعميمات التي تشكل النصوص المحورية في القانون الإداري. وهي مصدر للعديد من الحقوق والمهام داخل أجهزة الدولة بل إن بعض هذه القرارات سيادي لا سلطة للقضاء على رقابته، وخصوصا لدي الدول التي تعرف ازدواجية القانون – قانون عادي وقانون إداري-وقد اختلف الفقهاء في مدي تضييق وتوسيع تلك الأعمال السيادية لكن المرجع الأساسي في ذلك هو القضاء حيث يحدد تلك اللائحة. التي تخرج عن رقابته وعادة ما تكون المسائل المتعلقة بقرارات العلاقات الخارجية للدولة والأمن الداخلي. والسياسات الدفاعية والأمنية أما ماعدا ذلك ففي الغالب أن يدخل تحت الرقابة القضائية بشروط محددة في القانون، ومرد كل هذا إلى أن مبدأ فصل السلطات الذي نادي به شارل دي منتسكيو. يقوم على أساس احترام كافة السلطات لمبدإ اختصاص القانون. ويتجلى ذلك في عبارته الشهيرة في كتابه روح القوانين الصادر 1748م: (إنها تجربة خالدة أن كل إنسان يتولى السلطة ينزع إلى إساءة استعمالها حتى يجد حدا يقف عنده. إن الفضيلة ذاتها تحتاج إلى حدود ’ ولكيلا يساء استعمال السلطة يجب أن توقف السلطة سلطة أخري). وقد ترددت كلمته (السلطة توقف السلطة) بين العديد من الكتاب في المجال الدستوري والإداري.
لكن أعمال القضاء التي ظهرت لاحقا سواء في فرنسا من قبل مجلس الدولة الفرنسي أو من خلال أحكام قضائية من غرف إدارية أخري بشتى بلدان العالم كرست هذا المبدأ مع الاحترام المتبادل بين السلطات الثلاث التنفيذية والقضائية والتشريعية فكل واحدة من هذه السلطات تقوم بدور محوري لا غني عنه للدولة وهي تقوم بذلك العمل والدور الهام. لا يمكن أن تتجاوز الحدود المرسومة لها في دولة القانون. وإذا كان جهاز الشرطة يلعب أدوارا محورية مع السلطتين القضائية والتشريعية كل فيما يخص مجاله. فإن ضباط الشرطة وأفرادها يشكلون جزءا لا يتجزأ من السلطة التنفيذية من الناحية الإدارية. سواء تعلق الأمر بميدان الأمن العمومي أو ميدان الاستعلامات العامة فكل هذه المواضيع تدخل في صميم الشرطة الإدارية كما سيتضح من خلال هذا المبحث.
المبحث الثاني الشرطة الإدارية والقرار الإداري: دأب بعض الباحثين وأساتذة القانون الإداري على تسمية الشرطة الإدارية بالبوليس الإداري. والحقيقة أن الشرطة الإدارية تلعب أدوارا محورية في مجال القرار الإداري مرة في مجال إعداد محاضر إدارية أو معلومات استعلاماتية تتخذ على ضوئها قرارات إدارية من جهات إدارية سامية. ومرة كمختصة أصلية في اتخاذ قرارات إدارية تدخل ضمن صلاحياتها ومهامها في إطار التدابير التي تتخذ من أجل الحفاظ على الأمن العام بمفاهيمه الثلاث.
بقي أن نشير إلى أن مدراء الأمن والولاة مخولون باتخاذ قرارات سيادية عليا وأحيانا تكون هذه القرارات محصنة من الرقابة اللاحقة. عدا من رئيس الجمهورية وحده الذي يعتبر في النظام الرئاسي الذي ننتمي إليه هو أسمي سلطة في الهرم الإداري السيادي.
وإذا كانت موريتانيا في نظامها الإداري تعطي للسلطات الإدارية التي تشكل جزءا من الشرطة الإدارية صلاحيات كبيرة في اتخاذ تدابير معينة فإن أدوار الشرطة الإدارية سواء كانت إدارة محلية أو شرطة كثيرة ومتعددة حيث تتخذ العديد من القرارات الهامة لكن معظم تلك القرارات يخضع للرقابتين السابقة واللاحقة مع أن ما كان منها في الغالب مسلحا بالإذن من السلطات العليا وبالشرعية في الاختصاص والمحل والسبب والشكل والغاية. يكون من الصعب إلغاؤه.
وعلي العموم هناك دعويين أساسيتين تلاحقان القرار الإداري إذا لم يكن سياديا من طرف المحاكم الإدارية وهما: دعوي الإلغاء ’ ودعوي التعويض.
لكن القرارات الإدارية ذات السيادة إذا تمت صياغتها من طرف المختصين القانونيين من الصعب المساس بها.
وحتى القرارات التي تخضع لرقابة القضاء إذا ما رفعت طعون ضدها، فإن القضاء الذي يحترم نفسه سوف يثبت المعطيات التي كانت محل القرار.
1 انظر مذكرة 2001 القرارات الإدارية ، د سيد ابراهيم ولد محمد أحمد أستاذ القانون الإداري بجامعة نواكشوط والمستشار السابق بالمحكمة العليا
2 هناك دعويين أخريين هما: دعوي التفسير ودعوي القضاء الشامل، لكن التأثير الأساسي والجوهري في الدعويين الإلغاء والتعويض دون غيرهما.
المفوض الرئيس: محمد المختار ولد محمد